الأحد، 1 يونيو 2008

مقدمه في الامثال العربية

المثل كلمة مشتقّة من مِثل، أي شِبه، لأنّ الأصل مأخوذ من الكلمة العبرية "משל" ببمعنى: "الحكمة السائرة". يذكر المبرّد في كتابة الكامل أنّ المثل مأخوذ من المثال وهو قول سائر يُشبَّه به حال الثاني بالأوّل؛ فالأصل فيه التشبيه:فقولهم "مثُل بين يديه" إذا انتصب ومعناه أشبه الصورة النتصبة، و"فلان أمثل من فلان" أي: أشبه بما له من الفضل فحقيقية المثل ما جعل كالعلم للنشبيه بحال الأوّل، كقول كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً
وما مواعيدها إلاّ الأباطيل
ويقول ابن السكّيت: "المثل لفظ يخاف المضروب له ويوافق معناه معنى اللفظ" – شبهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره.
وأفاد غيرهما: سمّيت الحكم القائم صدقها في العقول أمثالاً لنتصاب صورها في العقول – مشتقّة من المثول الذي هو الانتصاب:
لقد تزامن جمع الأمثال العربية واقترن بجمع الشعر والأخبار وسائر عناصر التراث العربي، وذلك في عصر بني أمية الذين عرفوا بتعصبهم للقوميّة العربية.
وكان أول المبادرين إلى هذه المهمة الشاقة الشائكة المفضّل الضبي في القرن الأول الهجري حيث جمع كما لا يستهان به من الأمثال العربية في كتابةّ "أمثال العرب" ثم تلاه أبو عبيدالقاسم من سلام المتوفي سنة 223هـ/838 مـ وكان تلميذًا للعلم اللغوي الأصمعي، وقد عرف كتابه باسم "كتاب الأمثال". وقد قام فيما بعد أبو عبيد البكري بشرحه في مؤلفاته "فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد بن سلام" مصنّنفًا أمثال أبي عبيد في أبواب حسب موضوعاتها.
وفي القرن الرابع الهجري يطل علينا أبو هلال العسكري بكتابه "جمهرة الأمثال"، ويلقى أبو الفضل الميداني بسهمه في هذا الميدان فيقتنص منها مجموعة لا يستهان بها أودعها كتابه القيم "أمثال العرب".وقد توفي الميداني سنة 518هـ/1124مـ، فالزمخشري المتوفي سنة 538هـ/1144مـ في كتابه "المستقصى من أمثال العرب". كما جمعت الامثال من أشعار حكيم الشعراء وشاعر الحكماء المتنبي وغيره، ومن الكتاب المغرق في الاليغورية والخيال إلى جانب الفطنة والدهاء والموعظة الحسنة وجودة السرد والحوار "كليلة ودمنة".
ومن أبيات الشعر التي جرت مجرى الأمثال:
يقولون لي: ما أنت في كل بلدة
وما تبتغي؟ ما أبتغي جلًّ أن يُسمى
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تُفرج
ما طار طير وارتفع
إلا كما طار وقع
بذا قضت الأيام مابين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
المتنبي)

أسباب جمع الأمثال العربية؟
إن أسباب جمع الأمثال العربية كثيرة، يمكننا إجمالها فيما يلي:
1.حفظها من الضياع واللحن بعد امتزاج اللسان العربي بالأعجمي.
2.تعليم وتلقين أبناء الذوات والخلفاء وسائر أفراد الطبقة الأرستقراطية، التي بدأت تتبلور في عصر بني أميّة، اللغة العربية الفصحى الخالصة من الشوائب اللحن وغرس القيم العلربية المعنويّة واللاجتماعية والتاريخية والفكريّة الأصلية في عقوبهم ووجدانهم. فالأمثال تعكس عقليّة الشعوب، كما أنها، وخاصة الأمثال الإ سلامية، تعتبر عنصرًا مغذّيًا للأطفال بما تحمله من مكارم الأخلاق: كالكرم والشجاعة والجرأة واحترام الولدين والتعاون وحقوق الجار والصديق من الإعانة والإكرام.
3.أضف إلى ذلك أنّ الأمثال تعتبر مادة خام للبحث العلمي الفيلولوجي البحث المقارن للنصوص الأدبية من فترات مختلفة، والمورفولوجي البحث في مبنى الكلمة (علم الصرف)، وكذلك الفيلولوجي لبحث في الأصوات والحروف اللغوية وكيفيّة تطورّها في اللغة واللهجات عبر العصور.
4.علينا أن نذكر أيضًا أنّ الأمثال مبطّنة عن قيم سيكولوجيّة وفولكلوريّة وقوميّة جديرة باهتمام الباحثين.

عُمر الأمثال
لقد قُسّمت الأمثال العربية إلى مجموعات حسب التي قيلت فيها.
1.الأمثال القديمة: وتشمل الأمثال الجاهلية والإسلامية حتى نهاية القرن الثاث الهجري.
2.الأمثال الجديدة أو المولَّدة: وهي التي جُمعت وأضيفت إلى الأمثال القديمة في مجموعات الأمثال المُشار اليها آنفًا،منذ القرن الرابع الهجري، وهذه الأمثال التي زاحمت الأمثال القديمة جمعها الميداني،مثلاً في كتابه "مجمع الأمثال" وأفردها في النهاية كل فصل من فصول الكتاب.كما أن الأمثال التي جمعت من دواوين كبار الشعراء، كالمتنبي ومن بطون كتب إبداعية أخرى كـ "كليلة ودمنة" تصنّف ضمن إطار هذه المجموعة.
3.الأمثال الحديثة: ونقصد بها الأمثال التي تمّ جمعها في عصر النهضة، ومنها ما ورد باللهجة العامية كما فعل سلام الراسي اللبناني خلال العقود القليلة الماضية. كما تمّ في العصر الحديث جمع أمثال عربية ومقارنتها مع أمثال أخرى، كما فعل فريحة اللبناني الذي قارن الأمثال العربية اللبنانية بما يقابلها من أمثال باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ومقابل ذلك تُرجمت بعض الأمثال العربية الى الفرنسية، وبالعكس، لغاية تعليمية تهذيبيّة، كما فعل أحمد أمين مثلاً.
ومن مجامع الأمثال التي صدرت في القرن التاسع عشر الميلادي: ثلاثة مجلدات للمستشرق فريتاج، حيث جمع وترجم أمثالاً عربية قديمة التقطها من مجمع الأمثال للميداني للغة اللاتينية.
ومع انتشار اللهجة العامية وسيادتها على ألسنة العامة في العصر الحديث برزت إلى الوجود أمثال عربية عامية، وقام أحمد تيمور بجمع بعض هذه الأمثال وشرحها وتفسيرها.
وحذا حذوه سعيد عبود الذي عمل على جمع الأمثال الفلسطينية العاميّة وترتيبها حسب الحروف الأبجدية، وكذلك فعل علي الخليلي وعيسى عطا الله وسليم عرفات.
وثمة مجموعات للأمثال حسب البلدان: كالأمثال اللبنانية التي اختص بحصرها الفغالي وسلام الراسي، وأمثال مصرية وسورية وسودانية.
1.لا يمكن لملكين بتاج واحد (ترجمة).
2.لا يُجمع سيفان في غِمد (الميداني 2، 235).
3.المركب اللّي لها ريّسين بتغرق.
4.بطيختين باليد ما تنمسك (مثل عامّي).
5.راسين بعمامة مش ممكن (مثل عامّي).

ومن الأمثال العاميّة السائرة:
1.سيل الزيتون من سيل كانون.
2.السياسة ما إلها دين.
3.السّنة ورا الباب.
4.الهريبة ثلثين الهزيمة.
5.همّ البنات للمَمات.

مصادر الأمثال العربية القديمة

لقد عرف العرب الشعر والخطابة والوصايا، ومن السهل نسبها إلى قائلها.
أما فيما يتعلّق بالمثل فالأمر جد صعب. إذ أن المتمثّل لا يعنيه من قائل المثل، وإنما معنى المثل وأصلهز كما أن المثل أكثر الألوان دورانًا بين الناس: فكثير من الأمثال رويت دون نسبة إلى قائلها، وعليه فقد اختلط بعض القدم بالمولد والحديث.
ولكن ثمّة خصائص تميّز المثل الجاهلي والإسلامي والمولدي وسنأتي على ذكرها لاحقًا.
وفي هذا السياق يمكننا أن نفيد أن بعض الأمثال قد تمّ نقلها عن عامة الشعب: كالرعاة والفلاحين، ثم انتشرت على ألسنة العامة كافة، وبعضها تفوّه بها الأدباء والمفكرون والخطباء والمتفوّهون: كأكثم بن صيفي وقس بن ساعدة الأيادي والنبي محمد (صلعم) وعلي بن أبي طالب (خاصة في كتاب نهج البلاغة) والسيد المسيح، كما كان للقمان الحكيم كمّ لا يستهان به من الأمثال القديمة.وتتفاوت الأمثال من حيث قيمتها الفنية وفقًا لمصادرها: فأمثال العامة تفتقر إلى العناصر الفنيّة والبلاغية التي تؤدي المعنى الدقيق الصحيح، أما أمثال المفكرين والأدباء فتفوقها فصاحة وبلاغة وتنميقًا وصقلاً. كيف لا؟ وهي من انتاج أصحاب الصنعة وأساطين البلاغة الذين رصَّعُوا أمثالهم بقيم موسيقية تعين على تذكرها واستمراريتها: كالسجع والجناس والطباق، وبألوان من القيم التصويرية: كالتشبيه والاستعارة والكناية والتمثيل. ومن هذا اللون الفني نذكر على سبيل الحصر لا القصر أمثالاً منتقاة:
كالمستجير من الرمضاء بالنار
وراء الأكمة ما ورائها
في الجزيرة تشترك العشيرة
لا تكن رطبًا فتُعصَر ولا صلبًا فتُكسَر

الأمثال أدلّ على حياة الشعب من الشعر لأنها منبثقة منه. زد على ذلك أنّ الأمثال مبطّنة عن قيم معنوية؛ فهي تعكس عقليّة الشعوب كونها مرآه لحياتها من جوانب كثيرة لها:
فثمّة أمثال ذات قيم تاريخية:
اليوم خمر وغدًا أمر
(جزاء سنّمار)

والبعض الآخر ذات قيم اجتماعية:
إنّ البغاث بأرضنا يستنسر.
أجود من حاتم.
اُنصر أخلك ظالمًا أو مظلومًا.
لا في العير ولا في النفير.
بل إنّ بعض الأمثال تتعدّىالرؤية إلى الرؤيا الفكرية المستقبليّة الواعظة والمنبّهة:
إن في الحسن شقوة.
بهم داء الضرائر.
أمّا في العصر الإسلامي فقد تشبّعت الأمثال بروح الإسلام وبقيم الدين الحنيف:
أفحكم الجاهلية تبغون؟
رأس الدين التقوى.
أكذب من مسيلمة.
لافضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى.
فمواعيد عرقوب علم لكل ما لا يصحّ من الواعيد.
صحيفة المتلمس.
إنّ ما بيّناه من أمثال وحِكم ماهو إلاّ غيض من فيض من تلك الفنون الأدبية القديمة التي عكست قيم ومفاهيم وفكر وتاريخ المجتمع العربي القديم، وكيف لا؟ وهي جزء لا يتجزأ من التراث الأدبي العربي. لا شك أن هذا الجزء خصب بما يحويه مع إسقاطاته الحسيّة من بذور أدبية ذات أبعاد اجتماعية فكرية دينية وحتى سياسية، بل عناصر فنيّة أيضًا ونقصد بذلك الحبكة ومكوناتها من شخوص وتأزم وصراع وتوتر وحل وفكرة وإن كانت ضحلية مبسّطة، كما لاحظنا في قصة صحر بنت لقمان الُمشار إليها آنفًا.
والسؤال اذي يطرح نفسه الآن:هل اشتغلّ أدباؤنا المعاصرون هذا اللون الأدبي في أجناس أدبية أكثر رحلبة كالقصة القصيرة والرواية مثلاً؟
فقد وُظّفت الأمثال والحكم والأقوال المأثورة بأنواعها المختلفة في فن المقالة إلى جانب النوادر الأدبية والطرائف، خاصة وأنّ البحث الأدبي المقارن يشير إلى أدبنا المعاصرة، بل أن القصة القصيرة المعاصرة التي نمت في الغرب واستجلبت إلى أدبنا المعاصر، مل هي إلاّ تطوير لأدب الكُدْية الإسبانية الذي تأثر بدوره بفن المقامات العربية، كما علينا ألاّ ننسى أمثال لافونتين الفرنسي، التي ترجمها وأبدع فيها أحمد شوقي، والشبه الكبير بينها وبين أمثال "كليلة ودمنة"، بل أيضًا بينها وبين الحكايات والقصص التي ضربت فيهاالعديد من الأمثا كحكاية الأسد والثيران المختلفة الألوان والتي ضرب فيها المثل: "إنما أكلت يو أكل الثور الأبيض" أو "إن لله جنودًا منها العسل".
أضفنا إلى ذلك أن المثال من شأنها أ، تغذّي القصة المعاصرة بعنصر التداعي، وهو من العناصر الشائعة في القصة الفنيّة الحديثة.
كما شدّ انتباهي توظيف الأمثال في بعض القصص العربية الفنيّة المعاصرة كقصة "الصبي الأعرج" لتوفيق يوسف عواد. إذ استهلّ قصته المذكورة بالمثل: "كل ذي عاهة جبّار"، بل ان محمد نفاع أحد كتّابنا المحليي قد اتخذ من المثل "الله أعطى والله أخذ" عنوانًا وفكرة أساسية لإحدى قصصه الواقعية النقديّة الاجتماعية.
وثمة قصص للأطفال استوحيت من القصص التي حيكت حول الأقوال المأثورة والأمثال، بل وعنونت بها، بعدأن بُسّطت لغتها واستُرعي في إخراجها وأسلوبها مستوى النضج العقلي للأطفال في أجيال مختلفة: كموسوعة الأغاني الشعبية الفلسطينية من عمل د. عبد اللطيف البرغوثي من جامعة بير زيت ومن إصدار مجلة "الحياة للأطفال" الحيفاوية.
ويا حبذا لو استغلّت هذه الأمثال في أعمل أدبية وقصصية ذات مستوى فنّي راقٍ وذات بُعد الأمثال وعمقهل؛ فهي من الشعب ولإلى الشعب ومن الإنسانية إلى اللإنسان كافة، ويجب ألاّ تقتصر على قصص الأطفال فحسب. lr]l

ليست هناك تعليقات: